الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث من يوقف نزيف انتحار الأطفال؟

نشر في  07 جانفي 2015  (11:36)

هل أصبح الانتحار في صفوف الأطفال ظاهرة يجب التوقّف عند أسبابها وتداعياتها على مجتمعنا الذي غرق في مستنقع ثقافة الموت  التي استشرت وسرت سريان النّار في الهشيم وتوسّعت دائرتها لتطال اليوم طفولتنا بعد أن كانت الفئة الشبابية على الخصوص الوقود لنارها ولهبها الحارق وإن تعدّدت الأساليب وتنوّعت بين الأنشوطة المرعبة واستلذاذ اللّهيب ينهش الأجساد الغضّة وغيرها من وسائل وتعبيرات لا مسؤولة تعكس استفحال حالات اليأس وانسداد الآفاق بالإضافة الى عامل آخر لا يقل تأثيرا ألا وهو التمجيد والانبهار اللاّ مبرّر بحادثة انتحار محمد البوعزيزي التي أخذت بعدا رمزيا ووقع استثمارها في سياقات سياسيّة معلومة وبدل أن يتمّ نبذ الفعلة  واستنكارها لاقت تمجيدا غير مسبوق ليصبح البوعزيزي بطلا وأسطورة لا على المستوى الوطني فحسب بل انّ عديد المجتمعات العربيّة الهشّة اجتماعيا وثقافيا كانت كذلك مسرحا لقرابين سقطت على مذبح اللاّمبالاة والتهميش والخصاصة والحرمان وارتباك اعلامها وساستها على السواء.
لقد كنّا جميعا نقف في المهبّ لا صوت لنا، لا أحد كان قادرا على إدانة الانتحار والتذكير بأنّه حرام، استثمرنا الواقعة في تحقيق انتصارات سياسيّة على خصومنا ولم نأبه مطلقا للجانب الدّيني الذي بتنا نوظّفه وفق ما تقتضيه المصلحة.
تماما مثل لعبة الشطرنج (كش / مات) يسقط هذا ليكون ذاك ويكون الموت حاضرا عنوانا بارزا في صحائف أيامنا نجلّه ونستقدمه إلى بيوتنا ومعاهدنا وجامعاتنا لينبت في فناءاتها شجرة دفلى زهرها أشواك ودموع. إنّها النتيجة الحتمية لغيبوبة التخلّي التي أوقعنا أنفسنا فيها واليوم يتباكى اعلامنا على زهرات افترسها الغول في ميعة الصّبا وقد كان بالإمكان إيقاف النزيف بالإعلاء من شأن الحياة وعدم توظيف الموت.
كيف نحمي طفولتنا من ظاهرة الانحار وقد مضى زمن ونحن في دوّامة العنف ندور وندور؟ قد يكون الأوان قد فات بالفعل ولن نقدر على مداواة جراحاتنا المتعفّنة.
يضحكني إلى حدّ البكاء ردّ وزير التعليم العالي الذي يبرّر التنكيل بالطلبة بحرمانهم من مواصلة التعليم باحترام القانون ويضحكني أكثر مواقف رؤساء الجامعات الذين أرخوا عنان التعسّف والقهر لما يسمّى مجالس علميّة تقصي من تشاء وننتهك أحلام أبناء الشعب دائما باسم القانون!
لا تسألوا بعد الآن عن ظاهرة الانتحار فوراءها ظلم فوق التحمّل ولاعدالة صارخة يسندها تأليه لشخص أضرم في جسده النار فأصبح رمزا، وتستمدّ صلوحيتها الدائمة بيننا من ثقافة قطع الرؤوس التي بدأت تصبح واقعا وما أبشعه من واقع.

بقلم: سعيدة شبّاح